شروط صحة رمي الجمار
-السـؤال:
-يُتداول في محيط الحجيج أنَّ للرمي شروطًا، فالرجاء من فضيلة شيخِنَا توضيح هذه الشروط بما تحصل به الطُّمَأنينة، وجزاكم الله خيرًا.
-الجـواب:
-الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
-فمِنَ الشروط الواجبة توافُرُها لصِحَّة الرَّمْيِ:
١ - أن يَقْصِدَ بالرمي الجمرةَ -وهي مجتمع الحصى، لا ما سال من الحصى- والجمار الثلاث حُوِّطت بأحواض وهي التي يجب أن تُقصَد بالرمي، فلو ألقى بحصاة فوقعت بعد الرمي في الجمرة من غير أن يقصد بالرمي إليها لم يُجْزِهِ، كما لا يجب في الرمي إصابة العمود الشاخص بالحصاة وإنما الواجب استقرار الحصاة في الحوض، فلو ارتدت الحصاة المضروبة في العمود وخرجت عن الحوض لم تجزه؛ لأن من شرط الحصى وقوعَه في المرمى فإن وقع دونه لم يجزه باتفاق.
٢ - ولا يصحّ الرمي إلاّ بعد دخول وقته الشرعي.
٣ - وعلى مذهب جمهور العلماء يشترط أن يكون المُرمى به حجرًا أي من جنس الأحجار كالرخام والمرمر(١) وما إلى ذلك، وعليه فلا يجزي الرمي بالنحاس والحديد والرصاص وغيرها من المعادن ولا بالتراب والطين والخَزَف والنُّوَرة إلاّ على رأي أبي حنيفة فإنه يجيز الرمي بكلّ ما كان من جنس الأرض.
٤ - ويجب عليه أن يرمي الحصاةَ على وجه يسمى رميًا، ويباشر ذلك الرمي بيده فلو ترك الحصاة تنحدر في المرمى أو وضعها فيه من غير رمي لم يُجْزِه باتفاق، وكذلك إذا رماها بقوس أو مقلاع أو ركلها برجله لم يكن مباشرًا لها بيده فلا يسمى ذلك رميًا.
ولو شك في وقوع حصاة في المرمى بعد رميه فلا يجزه؛ لأنّ الأصل بقاء الرمي في ذمّته فلا يزول بالشكّ، وتَرَجُحُ ظنِّه بوقوعها فيه أجزأه.
٥ - ولا يجزيه باتفاق أهل العلم أن يرميَ السبعَ الحصيات دفعة واحدة وإنما الواجب فيه أن يرميها واحدةً واحدةً.
٦ - ولا يجزي رمي الجمرات إلاّ مرتبًا، فيرمي الجمرة الصغرى التي تلي مسجدَ الخيف ثمّ الوسطى ثم جمرةَ العقبة، فإن نَكَسَ ذلك فلا يجزيه ذلك، خلافًا لأبي حنيفة.
٧ - ولا يجوز له أن يرميَ بحصى قد رُمي به وهو شرط عند المالكية والحنابلة وله أن يأخذ الحصى من حيث شاء، وما كان حول الجمار يجوز له أن يرمي به؛ لأن الأصل عدم حصول الرمي به بخلاف ما وقع في الحوض.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٨ من ذي الحجة ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ٧ جانفي ٢٠٠٧م
(١) المرمر: نوع من الرخام صلب. (لسان العرب لابن منظور: ١٣/ ٧٦).
الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزمحمد علي فركوس -حفظه الله -
في الحلق أو التقصير في يوم النحر
-السؤال:
-من أعمال الحج في اليوم العاشر من ذي الحجة: الحلقُ أو التقصيرُ، فنودُّ معرفةَ وقتِه وشيئًا من أحكامه؟ مع بيان الأفضل منهما؟ وجزاكم الله خيرا.
-الجواب:
-الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فبعدَ نحرِ الهدي أو ذبحه يحلِّق الحاجُّ رأسَه كلَّه أو يقصّره كلّه لأنّ «النبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ حَلَّقَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ»(١) والحلقُ أفضلُ من التقصير لدعائه صلى الله عليه وآله وسلّم بالرحمةِ والمغفرةِ للمحلِّقين ثلاث مرات وللمقصرين مرَّة واحدة ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلّم قال: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ اْلمُحَلِّقِينَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ. قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمِ اْلمُحَلِّقِينَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ، قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمِ اْلمُحَلِّقِينَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ، وقَالَ في الرَّابِعَةِ: والمقَصِّرِينَ»(٢) وفي حديثٍ آخرَ أنَّ النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَلِلْمُقَصِّرِينَ. قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَلِلْمُقَصِّرِينَ، قَالَها ثَلاَثًا، قال: وَلِلْمُقَصِّرِينَ»(٣). قال ابنُ حجر -رحمه الله -: «وفيه أنَّ الحلق أفضل من التقصير، ووجهه أنَّه أبلغ في العبادة وأبينُ للخضوع والذلة وأدلُّ على صدق النية، والذي يقصِّر يبقي على نفسه شيئًا مما يتزين به، بخلاف الحالق فإنه يشعر بأنه ترك ذلك لله تعالى، وفيه إشارةٌ إلى التجرد»(٤)
-ويُستحب للحالق البدءُ بالشق الأيمنِ للمحلوق لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ وَحَلَقَ، نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِيَّ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الأَيْسَرَ، فَقَالَ: احْلِقْ فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أَبَا طَلْحَةَ فَقَالَ: اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ»(٥).
-والمشروعُ في حقِّ المرأة التقصيرُ وليس عليها حلق إجماعًا، لخصوصه بالرجال في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيْسَ عَلَى النِسَاءِ الحلْقُ وَإِنَّمَا عَلَى النِسَاءِ التَقْصِيرُ»(٦)، قال ابنُ عبد البر - رحمه الله-: «وأجمعُوا على أنَّ سنَّة المرأة التقصير لا الحِلاَق»(٧).
-وتقصِّر المرأة من كلِّ قرنٍ من شعرها كلِّه قدْرَ أنملة فأقلّ، فهو أقلُّ شيء يقع عليه اسم التقصير.
-قال النووي -رحمه الله-: «قال ابنُ المنذر: أجمعُوا على أن لا حَلق على النساء(٨)، وإنما عليهنَّ التقصير، قالوا: ويُكره لهن الحلق لأنه بدعة في حقهنّ، وفيه مُثلة، واختلفوا في قدر ما تقصّره فقال ابنُ عمر والشافعي وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثور: تقصّر من كلِّ قرن مثل الأنملة ... وقال مالك: تأخذ من جميع قرونها أقلَّ جزء، ولا يجوز من بعض القرون» [بتصرف](٩).
-والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٠٥ رمضان ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٥ أوت ٢٠٠٩م
(١) أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب الحلق والتقصير عند الإحلال: (١/ ٤١٥)، ومسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٩٠)، رقم: (١٣٠١)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٢) أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب الحلق والتقصير عند الإحلال: (١/ ٤١٤)، ومسلم كتاب «الحج»: (١/ ٥٩٠)، رقم: (١٣٠١)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٣) أخرجه البخاري «الحج»، باب الحلق والتقصير عند الإحلال: (١/ ٤١٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) «فتح الباري» لابن حجر: (٣/ ٥٦٤).
(٥) أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (٥٩٢)، رقم: (١٣٠٥)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(٦) أخرجه أبو داود كتاب «المناسك»، باب الحلق والتقصير: (٢/ ٣٤٤)، والدارمي كتاب «المناسك»، باب من قال ليس على النساء حلق: (٢/ ٨٩)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (٥/ ١٠٤)من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والحديث ذكر له ابن الملقن في «البدر المنير»: (٦/ ٢٦٧) متابعات يتقوى بها، وحسّن إسناده الحافظ ابن حجر في «التلخيص الحبير»: (٢/ ٥٢٩)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (٢/ ١٥٧).
(٧) «الاستذكار» لابن عبد البر: (٤/ ٣١٧).
(٨) «الإجماع» لابن المنذر: (٥٣).
(٩) «المجموع» للنووي: (٨/ ٢١٠).
الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزمحمد علي فركوس -حفظه الله -
في الطعام الذي يصنعه الحاج عند عودته من سفره
-السـؤال:
-جرت العادة عندنا أنّ الحاجَّ إذا أراد الذهاب إلى الحجِّ صنع طعامًا ودعا الأقارب والأحباب والجيران إليه، ويفعل الشيء نفسه عند عودته، وتسمّى هذه الدعوة عندنا بقولهم: «عشاء الحاجّ»، فنرجو منكم بيانَ حكم صنع هذا الطعام، وبارك الله فيكم.
-الجـواب:
-الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
-فالطعامُ المعدُّ عند قدومِ المسافر يقال له «النقيعة»، وهو مُشتقٌّ من النَّقْعِ -وهو الغبار- لأنّ المسافر يأتي وعليه غبارُ السفر، وقد صحَّ عن النبيِّ صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم أَنَّهُ: «لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ نَحَرَ جَزُورًا أَوْ بَقَرَةً»(١)، والحديثُ يدلّ على مشروعية الدعوة عند القدوم من السفر(٢)، وقد بوّب له البخاري: «باب الطعام عند القدوم، وكان ابنُ عمرَ رضي الله عنهما يُفطِر لمن يغشاه»(٣)، أي: يغشونه للسلام عليه والتهنئة بالقدوم، قال ابن بطال في الحديث السابق: «فيه إطعام الإمام والرئيس أصحابَه عند القدوم من السفر، وهو مستحبٌّ عند السلف، ويسمَّى النقيعة، ونقل عن المهلب أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا قدم من سفر أطعم من يأتيه ويفطر معهم، ويترك قضاء رمضان لأنه كان لا يصوم في السفر فإذا انتهى الطعام ابتدأ قضاء رمضان».
-هذا، ومذهبُ جمهورِ الصحابة والتابعين وجوبُ الإجابة إلى سائرِ الولائم، وهي على ما ذكره القاضي عياض والنووي ثمان(٤) منها: «النقيعة»، مع اختلافهم هل الطعام يصنعه المسافرُ أم يصنعه غيرُه له؟ ومن النصِّ السابقِ والأثرِ يظهر ترجيحُ القولِ الأَوَّل.
-أمَّا إعدادُ الطعام قبل السفر فلا يُعلم دخوله تحت تَعداد الولائم المشروعة؛ لأنها وليمة ارتبطت بالحجّ وأضيفت إليه، و«كُلُّ مَا أُضِيفَ إِلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ يُصَحِّحُهُ».
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في ٢٦ من ذي الحجة ١٤٢٧ﻫ
الموافق ﻟ: ١٥ يناير ٢٠٠٧م
(١) أخرجه البخاري في «الجهاد والسير» باب الطعام عند القدوم (٣٠٨٩) من حديث جابر رضي الله عنه.
(٢) «عون المعبود» العظيم آبادي (١٠/ ٢١١).
(٣) «فتح الباري» لابن حجر: (٦/ ١٩٤).
(٤) «شرح مسلم» للنووي: (٩/ ١٧١)، «تحفة المودود» لابن القيم: (١٢٧)، «نيل الأوطار» للشوكاني: (٦/ ٢٣٨).
الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ أبي عبد المعزمحمد علي فركوس -حفظه الله -